يتناول المؤلف في كتابه وفق أسلوب توثيقي شيّق المَهام والأعمال الآثارية التي شارك فيها، خلال عمله منقباً للآثار في الهيئة العامة للآثار والتراث العراقية عند عقد التسعينات من القرن العشرين، من كشوفات ومسوحات وتنقيبات آثارية في عدد من محافظات العراق، مثل كربلاء وبابل وديالى وصلاح الدين ونينوى وكركوك، وكذلك الاكتشافات المهمة التي كان له دور مباشر في التوصل اليها الى جانب زملائه المنقبين، خلال التنقيبات الآثارية التي أجريت في كلٍ من مدينة “بلد اسكي موصل” التاريخية، وموقع “تل النمل” الأثري الكائن في قضاء الشرقاط، مُصوراً بين صفحاته حياة الآثاريين العراقيين، وطبيعة عملهم الدؤوب المُضني، وما يكابدوه من متاعب ومعاناة أثناء تأديتهم لواجبهم النبيل، حيث أنه أول كتاب يتطرق بشكل جَلي وعن قرب لهذه الشريحة المهمة والغائبة عن أذهان الناس، وبما يواجههم من مصاعب وظروف قاسية خلال عملهم الشاق في مناطق نائية بعيدة
وقد مَهّد المؤلف لكتابه، الموَزعة مادته على ستة فصول وثلاثة ملاحق، بمقدمة وافية عن علم الآثار ومنهجه وفروعه وغايته العلمية، وعن تاريخ المؤسسة الآثارية العراقية وأقسامها ومراحل نموها عبر الزمن، مُستذكراً معها الآثاريين العراقيين الرواد الذين تركوا بصمة هامة في تشييد صرحها الكبير، وكذلك أساتذة علم الآثار الذين تتلمذ على أيديهم، والعديد من علماء الآثار الأجانب الذين عملوا في العراق وكان لهم دور كبير في الكشف عن حضارة وادي الرافدين، كاشفاً في الوقت نفسه عن الكثير من الخبايا والأسرار والملابسات الخفية غير المعروفة التي يتم طرحها لأول مرة في هذا الكتاب، والتي رافقت مسيرة هذه المؤسسة خلال عمرها الطويل، بسبب الظروف الاستثنائية التي واكب تطورها تقلب الأوضاع السياسية التي ألمت بالعراق
كما تناول المؤلف في كتابه بأسلوبٍ مُمتع جميل، مشاهداته للعديد من المناطق والمدن والحواضر القديمة، والمواقع الأثرية والتراثية التي مرّ بها، وخاصة تلك التي تحتضنها محافظة نينوى الباسلة، والتي أصابها الدمار والخراب فيما بعد على يد عصابات “داعش”، واصفاً إياها بإسهاب حسب ما كان عليه حالها خلال تلك الفترة، مع تفاصيل دقيقة للطرق والمسالك المؤدية اليها، مُبيناً تاريخها مع ذكر أسمائها القديمة ومعانيها، بالإضافة الى ما أورده الرحالة والمؤرخون عنها في مؤلفاتهم ومدوناتهم، وكذلك أهم الأحداث التاريخية التي مَرَت عليها خلال العصور القديمة والوسيطة والحديثة، مُبدياً آراءً جريئة بشأنها
ولإتمام فكرة الكتاب فقد نقل المؤلف من خلاله ووفق رؤيته الخاصة، انطباعاته عن واقع العراق عند مرحلة مفصلية من تاريخه الحديث، ألا وهي فترة الحصار الاقتصادي الجائر الذي فُرض على شعبه آنذاك، من خلال تسليطه الضوء على الظروف الاجتماعية والسياسية الصعبة التي سادت حينها، وخاصة تأثير ذلك الحصار المشؤوم على الآثار العراقية ومؤسستها العلمية والعاملين فيها، بالإضافة الى تناوله بسردٍ أدبي رشيق مجتمعات المناطق النائية التي عمل فيها، من مدن وقرى وبلدات، واصفاً طبيعتها وشكل الحياة فيها، وكذلك عرضه لصور حية وغير مألوفة لأحوال الناس الذي يقطنون هناك، وعن واقع حياتهم ومعاناتهم وسُبل عيشهم وطبيعة عاداتهم وتقاليدهم، كما رآها وأطلع على تفاصيلها بشكل مباشر، سعياً منه لإكمال صورة التاريخ الذي يعمل على استظهار حقيقته، لإيمانه بأن الآثاري عليه أن يوثق ليس فقط ما يتعلق بما مضى من تاريخ الانسان بل حاضره أيضاً كونه امتداداً طبيعياً لذلك الماضي
ومع أن المؤلف لم يعتمد الدراسة الأكاديمية المنهجية في كتابه، رغم طابعه التخصّصي وما احتواه من كم كبير من المعلومات التاريخية، حيث إنه أتبع أسلوب أدب الرحلات في تأليفه، إلا أنه أستعان توخيّاً للدقة والتزاماً بالأمانة العلمية بالعديد من المصادر العربية والأجنبية، بالإضافة الى إلحاقه فصول الكتاب الذي صممه مع غلافه بنفسه بشكل جذاب وحُلة أنيقة، بالعديد من الهوامش والصور والمخططات التوضيحية، من أجل ايصال المعلومة للقارئ بسلاسة ويُسر، مما أعطى الكتاب روحاً مُميزة وجمالية كبيرة
ومن المؤكد أن هذا الكتاب الجديد في مادته وشكل عرضه وأسلوب طرحه، يُعد إضافة مهمة للمكتبة العربية، ومصدراً موَّثقاً للباحثين في تاريخ العراق القديم والحديث وطبيعة أحواله الاجتماعية
الكتاب: حين تحكي الرمال
المؤلف: حامد الحيدر
اللغة: العربية
الموضوع: تاريخ
تأريخ الإصدار: 2020-06-25
نوع التجليد: غلاف ورقي سميك
الطبعة: 1
عدد الصفحات: 526
170 x 240 mm القياس
الوزن: 950 غرام
ISBN: 978-91-985267-1-4 رقم الإيداع الدولي